تفسير آية
قال تعالى: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ" النور: 30.
أصل (الغَضْ) الخفْض والكَف، غضَّ صوتَه أو بصرَه غضَّ من صوته أو من بصره: خفَضه وكفَّه (1) وهو بمعنى صَرَفَ النَّظر عنه، وتركه جانبًا.
و(غَضُّ البصر) قد يًطلَق على معنى: إطباق الجفن على الجفن حتى تمتنع الرؤية، كما يطلق على خفْض الجفن الأعلى وإرخائه، وصرف النظر عن مكان نظرته الأولى حياءً وأدبًا وإنْ لم تمتنع الرؤية.
ومما يحتمل المعنيينِ قولُ عنترة:
وأغضُّ طرفِي ما بدَتْ لي جارتي ♦♦♦ حتَّى يُوارِي جارتي مأواها
وقول جرير:
فغُضَّ الطرفَ إنك من نُمَيرٍ ♦♦♦ فلا كعبًا بلغتَ ولا كِلابَا
وذكر الطبري في تفسيره: قل يا محمد للمؤمنين الذين يؤمنون بالله وبك (يغُضُّوا من أبصارهم) يقول: يكفوا من نظرهم إلى ما يشتهون النظر إليه، مما قد ينهاهم الله عن النظر إليه(2). ولاشك أن هذا يشمل كل مُحَرَّم نهى الشارع عن إطلاق النظر فيه. ويقول ابن كثير في تفسيره: هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغَضُّوا من أبصارهم عن المحارم فإنْ اتفق وأنْ وقع البصر على مُحَرَّم من غير قصد، فليصرِف بصره عنه سريعاً كما رواه مسلم في صحيحه، من حديث يونس بين عبيد عن عمرو بن سعيد، عن أبي زرْعة بن عمرو بن جرير، عن جده جرير بن عبدالله البَجَلي رضي الله عنه، قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم، عن نظرة الفجأة، فأمرني أن أصرف بصري. تفسير ابن كثير 3/ص 450،451.
وقوله تعالى: (من أبصارهم): قيل إن (من) زائدة، وقيل هي للتبعيض لأن من النظر ما هو مباح. ذكر القرطبي في تفسيره(3) البصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته. ووجب التحذير منه، وغضُّه واجب عن جميع المُحَرَّمات، وكل ما يُخشى الفتنة من أجله. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والجلوس على الطرقات فقالوا: يا رسول الله ما لَنا من مجالسنا بُد نتحدث فيها. قال فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه. قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غضُّ البصر وكف الأذى ورَدُّ السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)(4).
وفي البخاري، وقال سعيد بن أبي الحسن للحسن: إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن؟ قال: اصرف بصرك، يقول الله تعالى: "قل للمؤمنين يغُضُّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم"، وقال قتادة: عما لا يحل لهم(5).
كما أن غض البصر يُعد سبيلاً لحِفْظ الفرْج وهو سبب تقديمه في الآية "يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم"، فإطلاق البصر مدعاة لتحريك كوامن النفس نحو ارتكاب المُحَرَّم، وهو مما يُضعِف الإرادة أمام الشهوات.
وما أحوجنا اليوم إلى العمل بهذا الخُلُق الكريم أمام كثرة حبائل شياطين الإنس والجن، وما تعُجُّ به وسائل التواصل الحديثة من انتشار واسع لمواد تخْدُش الحياء أصبحت في متناوَل الجميع. فلم يبق أمام هذه الهجمة الشرسة إلا التمسك بشرع الله سبحانه وتعالى فهو الحصن الحصين أمام الوقوع في المعاصي. ومن أكبر الدفاعات التي تمنع المسلم من الوقوع في الخطأ وارتكاب المحذور التزام المسلم بغض بصره عن المحارم صيانة له ولأهله ومحارمه وهي كذلك صيانة لمجتمعه.
فمثل هذه الأخلاق الفاضلة هي التي تحفظ المجتمع من ضياع أفراده، وذهاب فضائله التي هي عماد قوته ورُقِيِّه. قال صلى الله عليه وسلم: (بُعِثْت لأتمِّمَ مكارم الأخلاق) وفي رواية (إنما بعثت)(6).
المصدر
(1) لسان العرب 10/ص82. وانظر معجم اللغة العربية المعاصرة مادة (غضض).
(2) تفسير الطبري ج17/ ص 254.
(3) الجامع لأحكام القرآن 15/ص 203.
(4) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري.
(5) صحيح البخاري في كتاب الاستئذان قبل الحديث 6228.
(6) رواه البخاري في الأدب المفرد والإمام أحمد والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة.
ما أجمل أن تتحقق السعادة ويمتزج الفرح والسرور بعبادة الله سبحانه وتعالى، وقد منَّ الله على هذه الأمة بعبادة عظيمة تجلب لها سعادتي الدنيا والآخرة وختم لهذه العبادة بسعادة تليق بها هي عيد الفطر المبارك. لما قدِم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة وكان ل...
سلسلة الوعظ الأسبوعي- الهداية الحقة - الشيخ نبيل محمد صالح 📲 لمن فاته البث المباشر . 🔹القطاع الشرعي بجمعية الإصلاح 🔹 سلسلة الوعظ الأسبوعي (١٠) ٢٠٢١/١/٢٦م